أخبارالثقافة والفن
“عتاب الماء” لجمانة الطراونة.. قصائد بحس مرهف وصور مبتكرة
تسطر الشاعرة الأردنية جمانة الطراونة في ديوانها “عتاب الماء” تجربة تعبّر عن الذات الأنثوية في أقوى صورها وأكثرها شفافية واعتزازاً بالنفس وإيماناً بالحرف والكلمة.
ويزخر الديوان الصادر ضمن منشورات الجمعية العُمانية للكتاب والأدباء (2024)، بالمشاعر المؤثرة والصور الصادقة التي تجسد رقة الأنوثة وجمالها، وفي الوقت نفسه قوتها وعزيمتها التي لا تلين.
وتتسم القصائد بانثيالات وجدانية عميقة تمجد قيم الحب والحنين والانتماء للمكان، وهي تنطوي على أبعاد فلسفية وتأملية عميقة، وفيها الحكمة الملتقطة من أبسط الأشياء والمقدَّمة بأسلوب شعري يقوم على الحس المرهف والصور المبتكرة والرموز الدالة.
ويتضح من الديوان تعلّق الشاعرة بكتابة القصيدة كنوع من التحرر الذاتي، وكفعل خلاق يشبه لحظة التكوين ولحظة الولادة، إضافة إلى ما تحمله القصيدة من قدرة على البقاء والخلود:
“أنا لا أموتُ وفي القريض حياةُ
فأبي المجاز وأمِّيَ الكلماتُ
وعلى السُّطورِ ولادةٌ يوميَّةٌ
من قال أهلُ الشِّعرِ قبليَ ماتوا؟!”.
فالقصيدة لدى الشاعرة المقيمة في سلطنة عُمان موازية لوجودها:
“ويدي على قلبي أشقُّ قصيدتي
سعيًا فكلُّ حروفها خطواتُ”.
ولهذا نرى الشاعرة غير آبهةٍ بالمكان أو الزمان ومجرياتهما، إذ ترى نفسها قصيدةً خالدة، والخلود تعبير عن التحرر من جميع الأطر والمحددات. وهي تؤكد هذا التماهي بين ذاتها وبين القصيدة بقولها:
“في عيدِ ميلادي كبرتُ قصيدةً أُخرى
فلا أهتمُّ بالسَّنواتِ
لمْ أحتفلْ كالأُخرياتِ لأنَّني
أعددتُ مائدةً من الشذراتِ
لا شيءَ في الجاتوه يدهشني سوى
ما تفعلُ السكِّينُ بالكرزاتِ”.
وتشير الشاعرة إلى ما يربط “آدم” و”حواء” من تكامل إنساني، فلكلّ دوره ورسالته، ولكلّ مكانته التي يشغلها في الحياة، وهي تعبّر عن ذلك برموز وصور شعرية تتسم بالجدة واللطافة:
“للمرَّة الأولى أحسُّ لوهلةٍ
أنَّ القصيدةَ فطرةُ الإنسانِ
أنَّ البدايةَ لم تكن من (آدمٍ)
لكنَّها من (سورة الرحمٰنِ)
سيظلُّ بيتٌ في القصيدةِ ناقصًا
والطينُ يعدلُ كفَّة الميزانِ
قد يكتبُ الشطرينِ (آدمُ) إنَّما
(حواءُ) شطرُ البيت بيتٌ ثانِ”.
ويحفل الديوان بقصائد ذات إيقاعات سريعة مشحونة بالعاطفة القوية، وتتدفق عبر كلماتها معاني الحب والحياة، والرموز القوية التي تنتصر للإنسانية في حربها ضد الظلم، ضمن وعي معرفي يتفاعل معه القارئ، وينفتح بذلك على العديد من التأويلات.
وتطعّم الطراونة قصائدها برؤى مشهدية تكونت من نداءات وتساؤلات لم ترُم الوصول على إجابة، وكأنما السؤال في حد ذاته هو مراد الإنسانية، أما الإجابات فلا تعني غير الركود والتسليم.
ويتضمن الديوان عدداً من القصائد المهداة لشعراء راحلين، منهم: المتنبي، وعبدالعزيز المقالح، وحسب الشيخ جعفر، ومصطفى باشا القيسي. وتهدي الشاعرة قصائدها “إلى روح كلِّ من علَّمني حرفًا ومضى”:
“هــبـــني عــُـلـُـوَّكَ مــرَّةً لأقــولَا
بكَ ما يليقُ فما استطعتُ وُصولَا
هبني تواضُعَكَ الجليلَ لأرتقي
ويعيشَ مَنْ ورِثَ الغرورَ ذليلَا
حيَّرتني فإذا استعرتُكَ مَعْلَمَا
تتقاصرُ الأهرامُ دونَكَ طولَا
وإذا طلبتُكَ مُفردًا تسعى على
ما أنتَ فِيهِ مِنَ الفرادةِ جيلَا”.
المصدر : الانباء العمانية