أخبارالثقافة والفن
“ديوان الدوق”.. ملامح من تراث عمّان العمراني وحاضرها الثقافي
عمّان “العُمانية”: يقف المبنى الذي يستضيف “ديوان الدوق” وسط مدينة عمّان القديمة، شاهدًا على تاريخ المكان وتحولاته وما طرأ على حياة ساكنيه جيلًا بعد جيل.
وكان هذا المبنى قد اتُّخذ بُعيد تأسيسه قبل زهاء مئة عام مكتبًا للبريد في إمارة شرق الأردن، وبقي كذلك حتى عام 1948، ثم حُول إلى فندق حمل اسم “حيفا” وواصل استقبال المرتادين حتى أواخر التسعينات، وفي عام 2001 جعل منه الدوق ممدوح بشارات متحفًا يضم نماذج من آثار المدينة وموروثها ويحكي تاريخها القديم والمعاصر ويواكب جديدها.
يتميز المبنى الواقع في شارع تدب فيه حركة الزوار والسائحين على مدار الساعة، بالجدران السميكة التي تسمح بالاحتفاظ بالرطوبة صيفًا والدفء شتاءً، وبالأسقف المرتفعة والشبابيك والأبواب ذات الأقواس والأحجام الكبيرة. وقد نُقل هذا الطراز المعماري من البندقية خلال القرنين الخامس عشر والسادس عشر، ليصبح من أندر الطرز المعمارية وأجملها في عمارة بلاد الشام.
ويزين واجهةَ البناء قوسٌ زجاجي مقسّم بمقابض حديدية بسيطة التكوين، وباب خشبي أزرق عريض له مهابة، وشُيد الدرج الذي يفضي إلى داخل البناء بالبلاط الأصفر المعتق.
أما “ديوان الدوق” فيتكون من خمس غرف ذات مساحات متنوعة، يربط بينها صالون مغطى ببلاط مربع الشكل؛ تتناوب فيه قطع البلاط السوداء والبيضاء بما يذكّر برقعة الشطرنج.
وتحاكي تجربة زيارة الديوان (وهو مصطلح يصف غرفة في المنزل العربي الكبيرة مفتوحة دائمًا للضيوف) تجربةَ آلة الزمن التي تعيد الزائر إلى الماضي منذ عبوره المدخل، ومع كل جزء من تلك التفاصيل المرتبة والمنتقاة بعناية، لا يسع المرء إلا أن يشعر بالحنين ويبدأ في إضفاء الطابع الرومانسي على المكان وتقدير الجهد المبذول للحفاظ على مساحة تبعث الذكريات من مكامنها وتمنح الزائر فسحة للتأمل والتفكر.
وجرى توزيع المفردات في الغرف بما يُظهر للزائر طرز الحياة التي تميز بها الأردن خلال القرن العشرين، من خلال القطع الأثرية والصور المعلقة على الجدران وقطع الأثاث القديم الذي يعود تاريخ صناعته إلى عقود خلت، وقد جمعها بشارات من مناطق مختلفة على مدار سنوات، قبل أن يجددها ويرممها، بما في ذلك مجموعة من الأرائك والمقاعد، وموقد للنار، وجهاز مذياع قديم.
ويمكن للزائر أن يشاهد على الجدران العديد من الرسومات التخطيطية لآثار عثمانية ورومانية في عمّان التي شهدت تعاقب العديد من الحضارات عليها، وصورًا للمبنى نفسه عندما كان فندقًا، وأخرى للمدينة خلال فترة الثلاثينيات من القرن الماضي.
ويتسم المكان بطابع خاص من السرد البصري الرقيق لحكاية عمّان، فهناك المطبوعات الزهرية على الكراسي ذات ذراعين، وقطع من الخشب الداكن الذي تُعرض عليه أعمال البورسلين والفضّة والخزف، ومكتبة تضم كتبًا نادرة بلغات عدة.
وفي منتصف إحدى الغرف، ثمة طاولة مستديرة تدعو الزائر للجلوس والاستمتاع بالمكان، واختير لجدران تلك الغرفة اللون الفيروزي، بينما صُممت النوافذ بما يسمح للضوء بالتناغم مع أجواء المكان.
أما الشرفة الخارجية فمسيّجة بقضبان حديدية ومفتوحة على الصالون من خلال بابين مرتفعين، وعلى كل جانب هناك نافذتان واسعتان يتوّج كلًّا منهما قوسٌ من الحجر، وتتمّم الشرفةُ التجربة الحسّية الجمالية التي يخوضها الزائر خلال تجواله في المساحات الداخلية للديوان.
ومن خلال تلك الشرفة يمكن مشاهدة النسيج الحضري للمدينة، بجبالها التي تتراكب فوقها البيوت وتتجاور، وبالأدراج التي تمنح عمّان خصوصية عن سواها. ومن خلالها أيضًا يطلّ الزائر على أكثر المحلات حيوية في وسط المدينة، ويمثل المشهد المرئيّ قراءة واضحة للمدينة وسكانها، حيث تتمازج الثقافة الشعبية بالعمران من محلات تجارية وأسواق مفتوحة وبنايات سكنية وعمائر يجمعها إيقاع واحد متناغم.
ويمثل “ديوان الدوق” نوعًا خاصًا من الثقافة التي تقترب من نبض الناس، فهو يفتح أبوابه للعامة ليكون بمثابة مركز ثقافي يعرض تراث عُمان العمراني القديم وحاضرها الثقافي، لذلك يستضيف الديوان العديدَ من العروض المسرحية والمعارض الفنية ويقيم أمسيات شعرية وندوات ثقافية وغيرها من الأنشطة والفعاليات التي جعلته بمثابة حاضنة للشعراء والرسامين والنحاتين والمبدعين بتنوع اهتماماتهم.
المصدر : جريدة عمان