أخبارالاقتصاد (مال و أعمال)
الاستدامة في الصناعات الإبداعية.. سبل التفعيل والنتائج الاقتصادية المرجوة
تعد الصناعات الإبداعية محركًا أساسيًّا للتطور والنمو في المجتمعات والدول، خاصة تلك التي استطاعت وضع استراتيجيات واضحة للعمل على تحويل الفكر الإبداعي إلى منتج وخدمات يمكن وضعها في سياق التداول والاستهلاك، وسلطنة عُمان ليست بعيدة عن هذه الصناعات والأسس الموضوعة من أجل العمل عليها، فقد قامت المؤسسات الحكومية والخاصة بالعمل معًا على تحقيق استدامة حقيقية لهذه الصناعات، في شتى المجالات الإبداعية المادية وغير المادية، كما تعمل حاليًّا على مشروعين استراتيجيين للقوة الناعمة يشملان الثقافة والرياضة والإعلام والهوية والحضارة لتعظيم مكانتها وتاريخها ونقلها للأجيال القادمة.
إن المتتبع لأثر الصناعات الإبداعية سيجدها مرتبطة بالعمل الثقافي بما في ذلك الهوية والتراث الثقافي غير المادي والترجمة والنشر والأدب والمخطوطات والفنون البصرية والأدائية والمهرجانات والمعارض الثقافية والتواصل الثقافي والمسابقات والجوائز الثقافية والمكتبات والمراكز الثقافية والأندية والمبادرات الثقافية.
في هذا السياق يتشكل الواقع الرسمي والخاص والمجتمع المدني في سياق الاستدامة من خلال التشارك في إيجاد حقيقة لها، ولهذه الصناعات في الوقت ذاته، ويبقى التساؤل مطروحًا حول ماهية السبل وطرق التفعيل والنتائج المرجوة من العمل على هذه الصناعة وتصديرها كمحتوى ثقافي وطني وتحصيل مردود مادي يضيف إلى الاقتصاد الوطني ويعزز حقيقته.
في بداية الحديث يتطرق عبدالرحمن بن سعيد المسكري، رئيس قسم التحرير بمجلة نزوى إلى الاستدامة في مجال صناعة وإنتاج الأفلام الوثائقية ـ تجربة وزارة الإعلام ممثّلة في مجلة نزوى ـ من خلال إنتاج “فيلم بيت العجائب” وهنا يشير إلى إيجاد استدامة فاعلة ملموسة في قطاع صناعة وإنتاج الأفلام الوثائقية من خلال الاشتغال على حقيقة التاريخ والثقافة والفكر الإنساني وإبراز الهوية الوطنية مع أهمية التسويق لها كمنتج ثقافي فكري له ديمومته الخاصة من خلال السبل والمحفزات، ويقول: تتكئ سلطنة عُمان على موروثٍ حضاريٍّ عميقٍ وعريق؛ تشكّل عبر قرون طويلة من الفعل الحضاريّ لإنسان عُمان؛ تراكمٌ معرفيٌ ضخم في شتى صنوف العلوم والآداب والفنون، وخزينٌ من الملاحمِ والقصص والأحداث، كل ذلك يحكي خلاصة تجاربه، وحصيلة أفكاره، ومجمل تفاعلاته مع محيطه على مرّ الحقب والعصور، وامتداداته الحضارية في شتى بقاع الأرض التي وصل إليها.
وأضاف: كل هذا يدفعنا إلى الحديث عن أهمية الاعتناء بالإنجاز الحضاري لعُمان في مختلف المجالات، ترسيخًا لدوره في بناء الهويّة الوطنية العُمانيّة الحديثة، وتعظيمًا للقيم الرّفيعة التي تركها الأسلاف، الذين حفروا بأزاميل العزمِ والصّبر والإرادة الحرةّ ملاحم الإنجاز في صخرة التاريخ، وتركوا شواهد لا تمّحي من صفحة الحضارة والمعرفة الإنسانية.
ووضح أن تراث عُمان الحضاري رأسمال فكريّ لا يقدر بثمن، ولا تضاهيه أيّ قيمة؛ ونحن نتحدث عن الاستدامة في الصناعات الإبداعية لا يمكن إغفال أهمية الاستثمار في التراث الفكريّ في شتّى صنوفه؛ بوصفه رافدًا محوريًّا من روافد الصناعات الثقافية متعددة المجالات والاتجاهات؛ لذلك ينبغي الاعتناء به، والاستثمار فيه، ونقله للأجيال القادمة في صيغ تقنية متقدّمة، تتلاءم ومعطيات التلقّي المعاصرة.
وقال رئيس قسم التحرير بمجلة نزوى: إن تبني سياسة استراتيجية من شأنها استدامة الاستثمار في الصناعات الإبداعيّة سيسهم في تحقيق عدد من الأهداف الوطنية العليا، فإلى جانب ترسيخ الهوية الوطنية الحديثة، وتعزيز ما يعرف بالقوة الناعمة للبلاد؛ فإنّ العمل على إرساء صناعات إبداعية مستدامة يمكن أن يشكل رافدًا اقتصاديًّا مهمًّا لسلطنة عُمان، إذا ما تهيأت البنية الأساسية لمثل هذه الصناعات من تشريعات وأنظمة، وتأهيل الكوادر الوطنية، وتعزيز الكِيانات القانونية الرّاعية للصناعات الإبداعية في مختلف أشكالها.
ويشير: ثمة مسارات وبرامج عديدة لاستثمار هذا الخزين الفكري والتاريخي في سلطنة عُمان، ما نحتاجه هو إيجاد مناخات ثقافيّة داعمةٍ للاستثمار في اقتصاد المعرفة، وسياسات وممارسات تدفع إلى خلق سوق تتدافع فيها منتجات الثقافة والإبداع.
ويؤكد: بالنسبة إلى تجربة وزارة الإعلام ممثلة في مجلة نزوى، في إنتاج فيلم العجائب: الوجود العُماني في زنجبار وشرق إفريقيا، فقد أنتجت الوزارة فيلمًا وثائقيًّا يتكون من ثلاثة أجزاء، يهدف الفيلم بأجزائه الثلاثة إلى إلقاء الضوء على الإسهامات الحضارية الطليعية للعُمانيين في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية في زنجبار وشرق إفريقيا، وكل جزء من الفيلم يقدم شخصية رئيسة بالإضافة إلى شخصيات أخرى ضمن أحداث سياسية وأنشطة تجارية واجتماعية وثقافية، ويتحدث الجزء الأول عن شخصية السلطان السيد سعيد بن سلطان البوسعيدي، والجزء الثاني عن شخصية التاجر حمد بن محمد المرجبي (تيبو تيب) والجزء الثالث عن شخصية الوالي مبارك بن علي الهناوي، حيث يعدّ بيت العجائب إحدى الأيقونات المعمارية الدالة على الوجود العُماني الحضاري في زنجبار وشرق إفريقيا، لذلك أصبح الثيمة الرئيسة للأفلام الثلاثة، فقد صوّر بطريقة فنيّة بديعة، تحيي أروقته وتفاصيله، ومنه تنطلق القصص والأحداث في الأفلام الثلاثة. كما صدر عن هذا المشروع كتاب يحكي تاريخ الوجود العُماني في زنجبار وشرق إفريقيا، وأصدر بثلاث لغات هي: العربية والإنجليزية والسواحيلية، ويعدّ الكتاب توثيقًا مدوّنًا لعمليات البحث والتقصي، التي قام بها فريق شركة ديماكس لإنجاز هذا المشروع.
ويختتم حديثه: في هذا السياق يجب أن أشير إلى أنني شاهدت مؤخرًا عملًا رائعًا على منصة عين، حيث أنتجت وزارة الإعلام ممثلة في منصة عين، فيلمًا وثائقيًّا حول تاريخ عُمان الفلكي، يحكي الفيلم علاقة إنسان عُمان بالأفلاك وعلوم الفضاء، وارتباط ذلك بحركته ونشاطه في الأرض في المجالات الدينية والاقتصادية والاجتماعية، وفي رأيي هذه التجارب لا تُسهم في الكشف عن ثراء الحضارة العُمانيّة وعمقها واتساع مجالاتها وحسب؛ بل تعمل على تقديمها برؤى بصريّة احترافية، بما يستجيب ومتطلبات التلقي المعاصرة.
وتقول مريم بنت ناصر الخربوشية مديرة دائرة الهوية الثقافية بوزارة الثقافة والرياضة والشباب: تعد صناعة الفعاليات والبرامج الثقافية بكافة أنواعها أداة من أدوات تصدير المحتوى الثقافي والهوية الثقافية حيث تمثل الأيام الثقافية، والمهرجانات والمعارض الفنية والثقافية ومعارض الكتب التي تنفذها وزارة الثقافة والرياضة والشباب محليًّا وخارجيًّا وسيلة للتواصل الحضاري والثقافي يتم من خلالها الترويج لسلطنة عُمان التي تمتلك الكثير من المقومات التي تسهم في رفد الإبداع الثقافي في مختلف المجالات.
ووضحت: عملت الوزارة على هذا التوجه من خلال الاستراتيجية الثقافية التي رسمت التطلعات المستقبلية للقطاع الثقافي لتكون مواكبة لأهداف رؤية عُمان 2040 وفق رؤية تنطلق منها بعنوان “عُمان وجهة ثقافية رائدة بهوية راسخة” ورسالة تسعى من خلالها الوزارة إلى تنظيم وتطوير العمل الثقافي وتهيئة البيئة المناسبة للإبداع بهدف ترسيخ الهوية الثقافية وتحقيق الريادة وتنميتها واستدامتها محليًّا وعالميًّا، كما حددت الاستراتيجية عدة مجالات مرتبطة بالعمل الثقافي وهي الهوية والتراث الثقافي غير المادي و الترجمة والنشر والأدب والمخطوطات والفنون البصرية والأدائية والمهرجانات والمعارض الثقافية والتواصل الثقافي والمسابقات والجوائز الثقافية والمكتبات والمراكز الثقافية والأندية والمبادرات الثقافية.
وقالت: إن الوزارة وضعت سبعة محاور تنبثق منها الأهداف الاستراتيجية، وهي محور الإبداع والتطوير الثقافي ومحور الثقافة والمجتمع ومحور الصناعات الثقافية الإبداعية ومحور الهوية الثقافية ومحور التنمية الثقافية ومحور اللوائح والتشريعات الثقافية ومحور التواصل الثقافي، وبالتركيز على محور الصناعات الثقافية الإبداعية نجد أن أهم أهدافه الاستراتيجية تتمثل في تشجيع الوعي بأهمية الاستثمار في المجال الثقافي، ودعم وتشجيع الاستثمار في مشروعات ثقافية إبداعية مستدامة، وتقديم التسهيلات للمشروعات في مجال الصناعات الإبداعية الثقافية وتعزيز المساهمة الاقتصادية للقطاع الثقافي.
وأشارت إلى أنه ومن خلال الصناعات الثقافية الإبداعية تسعى الوزارة إلى تعزيز دور الثقافة لتكون ذات مردود اقتصادي يضيف إلى الاقتصاد الوطني ويعزز منظومة العمل في هذه الصناعات ويسهم في دعم الجهود الحالية القائمة في هذا القطاع بالتكامل مع المؤسسات الحكومية والخاصة، حيث يأتي التعاون مع البرنامج الوطني للاستثمار وتنمية الصادرات (نزدهر) في تنفيذ الورش التطويرية للصناعات الإبداعية والثقافية من أجل الخروج بفرص استثمارية ذات جدوى اقتصادية في العديد من المجالات الإبداعية ومن بين هذه الفرص صناعة الفعاليات والبرامج الثقافية لتتم صياغتها لتكون ذات عائد اقتصادي، كما يتم وضع الحلول للتحديات التي تواجهها وتحديد الممكنات التي تسهم في نجاح هذه الصناعة واستدامتها.
وفي السياق ذاته تطرقت مديرة دائرة الهوية الثقافية بوزارة الثقافة والرياضة والشباب إلى أن النتائج المرجوة لجعل الفعاليات والبرامج الثقافية صناعة إبداعية تتمثل في تنمية منظومة الإنتاج الثقافي والعمل على انتشاره وتسويقه والترويج له، وتشجيع الشراكات المحلية والعالمية في هذا القطاع لتعزيز الاقتصاد المحلي وتعظيم الفوائد الاقتصادية المستدامة، كما يمكن أن يسهم في جذب السياحة الثقافية وتعزيز الهوية الثقافية والتواصل الثقافي، وإيجاد فرص لتنمية مهارات الكوادر البشرية العاملة في هذا القطاع وفتح أسواق جديدة وفرص عمل لأصحاب المهارات والمبدعين.
وتقدم نهاد بنت علي الهادية، طالبة دكتوراه في الصناعات الإبداعية في جامعة اديث كوان في غرب أستراليا، رؤيتها حول الصناعات الإبداعية كقوة ناعمة مستدامة وتقول: الإبداع البشري هو جوهر الاستدامة وأحد أشكال القوة الناعمة العابرة للقارات التي تستثمر فيها الدول مؤخرًا لتحقيق أهدافها السياسية والثقافية والاقتصادية. ومن هذا المنطلق سلطت رؤية عُمان 2040، الضوء على الصناعات الإبداعية القائمة على الثقافة والمعرفة والإبداع في أولوية المواطنة والهوية والتراث والثقافة الوطنية من خلال ربط الإعلام والثقافة والفنون والتراث بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في سلطنة عُمان، وإيجاد هوية ثقافية وطنية تواكب التطلعات العالمية، وأكد على هذا النهج الوطني الاستراتيجية الثقافية 2021 ـ 2040، والتي نظرت إلى الثقافة على أنها ركيزة أساسية تسهم في إيجاد مجتمع قادر على المساهمة بفاعلية في بناء منظومة معرفية عالمية متجددة بثوابت ثقافية راسخة.
ووضحت أن سلطنة عُمان انطلقت نحو تعزيز هذه الصناعات بخطى ثابتة وممنهجة حيث كان أولها فهم واقع الصناعات الإبداعية ودورها التنموي المستدام في تنويع الاقتصاد وتنمية المجتمع وتحسين التعليم من خلال مشروع “خارطة الصناعات الثقافية والإبداعية” والذي هدف إلى اقتراح منهج لقياس البعد الاقتصادي لهذه الصناعات بما يوائم المناهج الدولية، ورصد أبرز التحديات المتعلقة بهذه الصناعات بهدف وضع الخطط والسياسات والاستراتيجيات التي تحفز دورها في التنمية المستدامة في سلطنة عُمان، حيث أكد المجتمع الدولي على أهمية هذه الصناعات من خلال الدورة الرابعة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة حين تم الإعلان عن عام 2021 سنة دولية للاقتصاد الإبداعي من أجل التنمية المستدامة، وذلك لتسليط الضوء على دور الاقتصاد الإبداعي في دعم أهداف الدول نحو التنويع الاقتصادي من خلال تسخير المعرفة والإبداع البشري والمواهب بالإضافة إلى التكنولوجيا والابتكار في توفير مهن إبداعية مستدامة للشباب، وتنمية المجتمعات من خلال تحقيق الرفاه الاجتماعي، ودعم الثقافة من خلال الحفاظ على الموروثات الثقافية وحمايتها فكريًّا.
وأشارت إلى الدور السياسي الذي تقوم به هذه الصناعات كقوى ناعمة كونها تستند بشكل أساسي على إنتاج السلع والخدمات الرمزية الجمالية المعرفية، حيث تلعب دورًا كبيرًا في صناعة مكانة الدول وصورتها الذهنية بين شعوب العالم من خلال إقناع الدول بأهميتها الاقتصادية والسياسية بعيدًا عن الطرق التقليدية المتمثلة في الآلة العسكرية، وهذا ما يلحظ الآن في تصدير الثقافة الغربية من خلال ابتكار إعلام رقمي عالمي جعل العالم قرية صغيرة، هذا فضلًا عن الدراما والموسيقى الكورية التي أصبحت تستهلك من قبل الشباب وغيرها من النماذج التي نجحت في تخطي الحدود الجغرافية والفكرية والمعرفية بين الشعوب.
وتؤكد: تعمل سلطنة عُمان حاليًّا على تعزيز دور الثقافة والإعلام كقوى ناعمة من خلال الإعلان عن العمل على استراتيجية للقوة الناعمة العُمانية. وعلى الصعيد العالمي حصلت السلطنة في مؤشر القوة الناعمة العالمي ٢٠٢٣ على الميدالية الفضية في “الكرم”. وغيرها من الجهود التي تهدف إلى ترسيخ ثقافة عُمان وصورتها الذهنية في الخارطة الدولية.
ويستعرض الكاتب والأديب المسرحي إدريس بن خميس النبهاني نائب رئيس فرقة مسرح الدن للثقافة والفن تجربة الاستدامة في الصناعات الثقافية في الفنون المسرحية من خلال فرقة الدن المسرحية، كونه أحد أعضائها، وهنا يشير إلى أن المسرح يعد ركيزة من ركائز الثقافة المعاصرة والحديثة ومع التطور الحضاري للأمم برزت المشروعات الثقافية المختلفة كمنطلق رئيس في رفد الاقتصاد الوطني للدول لا سيما وأن العالم اليوم أصبح بمثابة قرية نمل ذات أوصال متصلة ومتفرعة لملايين الطرقات وعليه فإن التأكيد على تأصيل منظومة الصناعات الإبداعية المختلفة واستثمار الطاقات الشبابية يعد نجاحًا حقيقيًّا في صناعة اقتصاد تنموي يعزز القيمة المضافة للدول ويشرع نوافذها لكل العوالم لاكتشاف مكنونات الإبداع الثقافي والفني في كل حضارة إنسانية معاصرة، والمسرح بتفاصيل جمالياته اليوم يمثل وسيلة خلاقة وفاعلة في تنمية مفهوم السياحة الثقافية لدى الحضارات المعاصرة، عليه فإن ما نلمسه من حضور وتطور للحركة المسرحية العُمانية هو نتيجة طبيعية لمسارات التطور الفكري للإنسان العُماني ومحصلة إيجابية للانفتاح النوعي للوعي العُماني في المجتمع حول الالتفات لمجالات الإبداع التي تؤطر فلسفتنا المعاصرة.
وأضاف: ونحن في فرقة مسرح الدن للثقافة والفن من البدء كانت لنا منظومة من الأهداف السامية التي سعينا لتحقيقها من خلال الاشتغال على خططنا الإبداعية في الإنتاج المسرحي وعلى رأسها أن تكون سلطنة عُمان قبلة مقصودة للباحثين عن الثراء الثقافي والفني في البعد السياحي الذي ينشط كثيرًا على مستوى الوفود الزائرة للمنطقة بشكل عام ولسلطنة عُمان بشكل خاص، وعليه كان التركيز أن يكون المنتج المسرحي رافدًا حقيقيًّا للاقتصاد الوطني ونحن اليوم وبعد عقدين من التأسيس نفخر بوصولنا إلى تحقيق هذا الهدف من خلال اشتغالنا على العروض المسرحية النوعية التي يقصدها المواطن والسائح بحثًا عن المعرفة والترفيه في آن ولا سيما تجربتنا الرائدة في مهرجان الدن الدولي الذي يستقطب كثيرًا من المشاركين والزائرين من مختلف دول العالم؛ الأمر الذي كان معززًا حقيقيًّا للاقتصاد على مستوى التنشيط السياحي للدولة وكذلك القيمة الإضافية للفرقة لكون هذه العروض تقدم بشباك تذاكر يشهد إقبالًا كبيرًا، ولا نغفل هنا عن الإشارة إلى تكاملية هذه الأدوار التي تتبناها أيضًا إضافة إلى فرقة مسرح الدن للثقافة والفن مجموعة من الفرق المسرحية على مستوى السلطنة كالموسم المسرحي في مهرجان ظفار المسرحي وغيرها من مجالات الإبداع الفني والثقافي التي تشهدها سلطنة عُمان بشكل عام.
ويؤكد: هذا الثراء الفني لا يمثل بحق قيمة نوعية ذات بعد اقتصادي محرك لمنظومة الاقتصاد الوطني فحسب وإنما يعمل بشكل مباشر على إتاحة فرص عمل مؤقتة وإيجاد مصادر دخل متنوعة لمجموعة الأفراد والمؤسسات الحكومية والأهلية التي غالبًا ما تنشط بشكل مباشر مواكبة لهذه التظاهرات والفعاليات الفنية المتنوعة، ولا أصدق من ذلك كنموذج مثل تجربتنا الأخيرة في مهرجان الدن الدولي الذي شهد مواكبة لبرنامجه مجموعة من المعارض والبرامج وحلقات العمل والرحلات السياحية إضافة إلى العروض المسرحية، كل هذا وغيره سيصنع لهذا الوطن مكانة حضارية تنافسية بين مجالات التنوع السياحي الدولي لتكون السياحة الثقافية الأساس الذي لا يمكن الاستغناء عنه والالتفات إليه بصدق وإخلاص تعزيزًا للاقتصاد الوطني لسلطنة عُمان.
وحول الاستدامة في القطاع السينمائي وصناعة الأفلام على وجه الخصوص تقول المخرجة مزنة المسافر إن “الديمومة أو الاستدامة، بحاجة إلى بنية أساسية جيدة لطرح فكر سينمائي متجدد، ولابد من نهج سينمائي فائق في الصورة والمعنى والمضمون حتى يتمكن من عبور واجتياز الجغرافيا المحدودة، والخروج والولوج إلى أقاصي أخرى بعيدة.
وتوضح: لا أفضّل كلمة قوة ناعمة، القوة بالنسبة إلي هي كلمة معنية بالجلاء والوضوح، والقدرة على الظهور وعلينا تعزيز الصورة والتكوين ومبادئه وأساليبه ومدارسه الفنية المطروحة في أماكن جغرافية أخرى، وإيجاد التمازج بين الصورة والكلمة، بجانب الفكرة الأساسية للفيلم أو العمل السينمائي، ويرى البعض أن الأستوديوهات الفسيحة، الواسعة، والمهرجانات الكثيرة مثرية، بينما أشعر أن ارتباطنا بالسينما والصورة والتكوين يتجلى ويتعاظم إن كان هنالك دعم لتجارب مستمرة شغوفة، بالطبع في أساسياته هو دعم مادي ولاحقًا معنوي، ويُعنى بتطوير التفرد والتجربة المفردة، لتصبح هذه التجربة ضمن مجموعة وبعدها ضمن نهج ومدرسة معينة محددة تُوجد الفرص للكل، وتأتي بمبدأ النهج الوطني.
وتؤكد “المسافر”: لأن السينما والفن بالمجمل هو نهج وطني يُعنى بالإنسان وبمكانه وعنوانه، وفكره وشعوره وكيفية فهمه لرحلته في الحياة، وكيف يعكس هذه الرحلة ويعبر أبوابها ويجتاز عقباتها بفهم عميق، وكيف يود أن يشاركه الجميع هذه الرحلة من خلال ما يشعر به في فيلم أو قصة يكتبها ويدونها ويخبر بها ما تعلمه، وأحب أن أوضح أن الصناعة كلمة بحاجة إلى آلات وأدوات وقوى بشرية تصمد أمام فكرة الإنتاج المستمر، وقد تهبط وقد تعلو في مفاهيمها المالية، وإنتاجاتها غير المجدية أحيانًا لإيجاد المال فقط، فالوصول إلى الجمهور ليس عبر صناعة، ولكن عبر الفكر المتعلق بالمكان والإنسان، والأرض، والبشر يتشابهون في شعورهم، وأفكارهم، ومعانيهم، وأحيانًا في أعرافهم الاجتماعية، فيكون تشابهنا البشري سبيلًا لقول أمور كثيرة عبر الصورة والكلمة، وليس بالضرورة في محتوى بصري سيء، ولكن في مضمون مدروس بدقة وبعناية، وبغاية التعبير والوصول للآخرين.
ويستعرض هاني بن عبد العزيز الكندي الرئيس التنفيذي لشركة فنادق ومنتجعات جبال الحجر، تجربة شركة قلعة مطرح في استثمارها للقلعة، مشيرًا إلى أن الحفاظ على التراث المادي العُماني يعد جزءًا مهمًا من الاستدامة والاستثمار، وذلك من خلال التوازن بين الحفاظ على القيم التاريخية والثقافية وتطويرها بطرق معاصرة تضمن استمرارية وجودها.
ووضح أن الشركة حرصت على إعادة تأهيل القلعة لتحويلها لوجهة سياحية فريدة مع الاستمرار بالعمل على تأهيل وترميم البيت الكبير الأثري المحاذي للقلعة تحويله إلى نزل تراثي أشبه بالمتحف مع الحرص الشديد على الحفاظ على هويته المعمارية ومكانته التاريخية.
وفي شأن الاستدامة وضّح: وضعنا خطة لتحويل قلعة مطرح الأثرية إلى مقصد سياحي مميز ومنظم بطريقة تحافظ على مكانته التاريخية، بالإضافة إلى تبني الشركة في هذه القلعة العديد من الفعاليات التي تُعنى بالصناعات الإبداعية -بغرض الاستدامة- من خلال دعم الأمسيات والمعارض الفنية وتنظيم فعاليات خاصة بالحرف التقليدية ومختلف الصناعات المحلية المميزة والتي تمثل جزءًا من التراث المادي، وإدماج التكنولوجيا في الحفاظ عليها وتطويرها، والمساهمة في تعزيز الوعي بأهمية الحفاظ على التراث المادي وتشجيع المجتمعات المحلية على المشاركة في الحفاظ عليها.
وأضاف: الجدوى في هذا الإطار لها فوائد اقتصادية واجتماعية ملموسة في تنمية السياحة وتعزيز الجذب السياحي للمنطقة مما يسهم في تحسين الاقتصاد المحلي، كما أن هذا الاستثمار يوفر الوظائف وفرص عمل جديدة في مجالات السياحة، والحرف التقليدية وغيرها مما يؤدي إلى زيادة دخل المواطن ويعزز الانتماء المجتمعي والهوية الثقافية التاريخية ويسهم في بناء الشعور بالفخر والانتماء لدى سكان المنطقة.
المصدر : الانباء العمانية